زملائى الأعزاء ....كل عام وأنتم بخير
يمر على الآن رمضان للمرة الخامسة على التوالى وأنا محبوس عن أهلى ووطنى فى أقصى الأرض ولم أشهده فى مصر منذ الرحلة الأولى .... ... عندما يقبل رمضان أشعر برعشة داخلية ويزداد حنينى لكل ما هو ماضى وكل أيام الصحبة الجميلة والشباب . تذكرون كيف بدأنا معا فى المركز ونحن فى أوائل العشرينات من العمر .....كيف كنا وكيف أصبحنا ؟ لا أتصور أن تلك أيام لن تعود بكل مضحكاتها ومهازلها التى عشناها معا . قد يسخر منى أحدكم ويقول : انت غاوى فقر يا ابنى . يبدو ذلك .
لم تكن غربتى هذه المرة عادية بل كانت أشد ألما لى ولكل المصريين هنا وهم يشاهدون حلما كبيرا يتحقق وتاريخا يكتب أمام أعينهم وهم غير قادرين على المشاركة فيه ولو بالوجود على أرض مصر . طبعا الصورة مختلفة عندكم ورؤيتنا نحن المغتربين أكثر حماسا ورومانسية من الواقع الصعب الذى شهدتموه أنتم . ولكن لا نستطيع أن ننكر حجم اللحظات الدرامية التى شهدناها كلنا فى أيام الشرارة الأولى . الصورة هنا مختلفة ...عشنا تفاصيل كثيرة وبكينا مع التونسيين والليبيين والسوريين ....ما يجمع العرب فى الواقع أكبر مما حاول الطغاة طمسه فينا. كم فرحوا معنا بل أكثر منا بل إنهم كانوا يناقشوننا فى أدق الأخبار عن مصر . ليست عبارة انشائية ولكنى رأيتها واقعا أن العرب متعلقين بمصيرنا ومتشوقين لنهضتنا.
سبحان الله وتحققت المعجزة ...أتذكر كم تكلمنا وضحكنا من اليأس ونحن نجلس فى تكييف المكتبة نتكلم عن حسنى وبلاويه والبلد ومشاكلها . ويتحفنا بالأمل زميلنا المطحون محب بعبارته الشهيرة : مفيش فايدة يا ولاد . ويشاغبه أحمد عبد الله : مفيش فايدة بمعنى ؟ يا خيبتك ! يا خيبتك يعنى يا بختك . ويندفع الأستاذ تامر بسيجارته مسرعا يبحث عن شئ ثم يجده ويتجه إلينا بالحديث قبل أن يخرج : انتو بتتكلموا ف ايه بس ...انتو فاضيين ؟ أو يتدخل أيمن الشافعى بنظرته الواقعية المؤلمة : بص ...هى بلدك كده ومش هتتغير. أويأتى الأستاذ ثروت ليدلى برؤيته الإخوانجية ثم يأتى الأستاذ وائل ليغير الموضوع تماما فى اتجاه آخر أو يأتى الأستاذ ياسر ليمنع الكلام فى السياسة . وكانت أيام .
مازال أمامى مشوار طويل هنا قد أكون قطعت نصفه أو أكثر قليلا . ومع أنى فاقد لكثير من الحماس والطاقة ولكن لا مجال للتراجع . أعانى كالعادة من مشاكل التوازن بين الدراسة والأسرة وهذا طبيعى . أصبحت متمرسا فى تدريس اللغة العربية وكم هو شئ ممتع . أما قدراتى على تدريس الانجليزية فوالله لا أدرى كيف هى الآن . أشعر أنى على مفترق تغيير مسار حياتى بالكامل والله أعلم .
اندمجت أنا والأسرة فى المجتمع الجديد وكان من أهم فوائد هذا الاندماج هو اختفاء الهالة التى يتخيلها كل منا عند تعامله مع الأمريكيين . اختفت تماما الهالة وفى تعاملى مع معظم الخدمات والمصالح الحكومية والمستشفيات وخلافه أستطيع أن أقول لكم لا تعطوا هذا الشعب أكثر من قيمته ولا تعتبروا أننا أقل منهم فى شئ . بالعكس . لو أمن المواطن الأمريكى العقوبة يوما واحدا لتحولت البلد إلى غابة فى لحظات ...هذه حقيقة يعترف بها الكثيرون . أنا الآن عندى طلاب أمريكيين وأقول لكم اطمئنوا طلابنا بخير بس ناخد بالنا منهم .
هذه الرسالة مجرد شئ من فضفضة للتعبير عن بعض الحنين والشوق للقائكم. ربما لا تعرفونى عندما أعود إذا كان فى العمر بقية ... فى عامين فقط من الدكتوراه تسربت بعض الشعيرات البيضاء إلى رأسى دون أن أشعر . فماذا سيحدث بعد نهاية المشوار؟ . المشكلة أنها يجب أن تكون البداية وليست النهاية . لا يحبسنى عن زيارتكم إلا نقص المال فليس عندى قيود تمنعنى من الإجازات ...ولكن ماباليد حيلة . وعلى رأى الشاعر (ليه يا زمان مسبتناش أبريا ...وواخدنا ليه لطريق ما منوش رجوع؟) أو على رأى نفس الشاعر (متسرسبيش يا سنيننا من بين ايدينا ...ولا تنتهيش داحنا يدوب ابتدينا ) . ايه علاقة ده بالموضوع أصلا ؟؟ ههههه . ما علينا .
أشجعكم دائما على مواصلة التطوير وليس كلام انشاء كما كنا نقول قبل ذلك . المرة دى بجد . إذا كان الحال قد ساء كثيرا وازدادت الأوضاع فوضى فلا أظن إطلاقا أنه أسوأ مما كنا فيه وقد كان عندى -ومازال -أمل لن أفقده فى هذا البلد . لن نتغير فى أيام أو سنوات ولكن إذا كان الله أراد أن يجعلنا من هذا الجيل الثورى فلنكن على قدر المسئولية حتى لا يلعننا أولادنا . صدقونى السر فى شئ من التخطيط والنظام والإمكانيات لا شئ أكثر من ذلك. هذا هو لغز استمرار أمريكا حتى الآن . ولا يخفى على أحد هنا أن أمريكا تتجه إلى الانحدار حاليا وأقول هذا من واقع ما أعيشه وأراه فى جوانب مختلفة .
.كل سنة وانتو طيبين .ربنا يعينكم على رمضان فى هذا الجو ... عندنا نفس الموجة الحارة وتخطينا درجات فوق الأربعين .. ... وسوف نصوم من الرابعة فجرا حتى التاسعة مساء . ...يلا كفاية أكل .
وأختم بقول الشاعر (وكل ضيقة بعدها وسعة ...ودى الحقيقة بس منسية ...وكلنا ولاد تسعة وبنسعى ...ودى مش وسية الناس سواسية)
دا انا قديم قوى ..
أتمنى أكون على اتصال دائم بكم قدر ما أستطيع.
أيمن - ميشيجان صيف 2012
يمر على الآن رمضان للمرة الخامسة على التوالى وأنا محبوس عن أهلى ووطنى فى أقصى الأرض ولم أشهده فى مصر منذ الرحلة الأولى .... ... عندما يقبل رمضان أشعر برعشة داخلية ويزداد حنينى لكل ما هو ماضى وكل أيام الصحبة الجميلة والشباب . تذكرون كيف بدأنا معا فى المركز ونحن فى أوائل العشرينات من العمر .....كيف كنا وكيف أصبحنا ؟ لا أتصور أن تلك أيام لن تعود بكل مضحكاتها ومهازلها التى عشناها معا . قد يسخر منى أحدكم ويقول : انت غاوى فقر يا ابنى . يبدو ذلك .
لم تكن غربتى هذه المرة عادية بل كانت أشد ألما لى ولكل المصريين هنا وهم يشاهدون حلما كبيرا يتحقق وتاريخا يكتب أمام أعينهم وهم غير قادرين على المشاركة فيه ولو بالوجود على أرض مصر . طبعا الصورة مختلفة عندكم ورؤيتنا نحن المغتربين أكثر حماسا ورومانسية من الواقع الصعب الذى شهدتموه أنتم . ولكن لا نستطيع أن ننكر حجم اللحظات الدرامية التى شهدناها كلنا فى أيام الشرارة الأولى . الصورة هنا مختلفة ...عشنا تفاصيل كثيرة وبكينا مع التونسيين والليبيين والسوريين ....ما يجمع العرب فى الواقع أكبر مما حاول الطغاة طمسه فينا. كم فرحوا معنا بل أكثر منا بل إنهم كانوا يناقشوننا فى أدق الأخبار عن مصر . ليست عبارة انشائية ولكنى رأيتها واقعا أن العرب متعلقين بمصيرنا ومتشوقين لنهضتنا.
سبحان الله وتحققت المعجزة ...أتذكر كم تكلمنا وضحكنا من اليأس ونحن نجلس فى تكييف المكتبة نتكلم عن حسنى وبلاويه والبلد ومشاكلها . ويتحفنا بالأمل زميلنا المطحون محب بعبارته الشهيرة : مفيش فايدة يا ولاد . ويشاغبه أحمد عبد الله : مفيش فايدة بمعنى ؟ يا خيبتك ! يا خيبتك يعنى يا بختك . ويندفع الأستاذ تامر بسيجارته مسرعا يبحث عن شئ ثم يجده ويتجه إلينا بالحديث قبل أن يخرج : انتو بتتكلموا ف ايه بس ...انتو فاضيين ؟ أو يتدخل أيمن الشافعى بنظرته الواقعية المؤلمة : بص ...هى بلدك كده ومش هتتغير. أويأتى الأستاذ ثروت ليدلى برؤيته الإخوانجية ثم يأتى الأستاذ وائل ليغير الموضوع تماما فى اتجاه آخر أو يأتى الأستاذ ياسر ليمنع الكلام فى السياسة . وكانت أيام .
مازال أمامى مشوار طويل هنا قد أكون قطعت نصفه أو أكثر قليلا . ومع أنى فاقد لكثير من الحماس والطاقة ولكن لا مجال للتراجع . أعانى كالعادة من مشاكل التوازن بين الدراسة والأسرة وهذا طبيعى . أصبحت متمرسا فى تدريس اللغة العربية وكم هو شئ ممتع . أما قدراتى على تدريس الانجليزية فوالله لا أدرى كيف هى الآن . أشعر أنى على مفترق تغيير مسار حياتى بالكامل والله أعلم .
اندمجت أنا والأسرة فى المجتمع الجديد وكان من أهم فوائد هذا الاندماج هو اختفاء الهالة التى يتخيلها كل منا عند تعامله مع الأمريكيين . اختفت تماما الهالة وفى تعاملى مع معظم الخدمات والمصالح الحكومية والمستشفيات وخلافه أستطيع أن أقول لكم لا تعطوا هذا الشعب أكثر من قيمته ولا تعتبروا أننا أقل منهم فى شئ . بالعكس . لو أمن المواطن الأمريكى العقوبة يوما واحدا لتحولت البلد إلى غابة فى لحظات ...هذه حقيقة يعترف بها الكثيرون . أنا الآن عندى طلاب أمريكيين وأقول لكم اطمئنوا طلابنا بخير بس ناخد بالنا منهم .
هذه الرسالة مجرد شئ من فضفضة للتعبير عن بعض الحنين والشوق للقائكم. ربما لا تعرفونى عندما أعود إذا كان فى العمر بقية ... فى عامين فقط من الدكتوراه تسربت بعض الشعيرات البيضاء إلى رأسى دون أن أشعر . فماذا سيحدث بعد نهاية المشوار؟ . المشكلة أنها يجب أن تكون البداية وليست النهاية . لا يحبسنى عن زيارتكم إلا نقص المال فليس عندى قيود تمنعنى من الإجازات ...ولكن ماباليد حيلة . وعلى رأى الشاعر (ليه يا زمان مسبتناش أبريا ...وواخدنا ليه لطريق ما منوش رجوع؟) أو على رأى نفس الشاعر (متسرسبيش يا سنيننا من بين ايدينا ...ولا تنتهيش داحنا يدوب ابتدينا ) . ايه علاقة ده بالموضوع أصلا ؟؟ ههههه . ما علينا .
أشجعكم دائما على مواصلة التطوير وليس كلام انشاء كما كنا نقول قبل ذلك . المرة دى بجد . إذا كان الحال قد ساء كثيرا وازدادت الأوضاع فوضى فلا أظن إطلاقا أنه أسوأ مما كنا فيه وقد كان عندى -ومازال -أمل لن أفقده فى هذا البلد . لن نتغير فى أيام أو سنوات ولكن إذا كان الله أراد أن يجعلنا من هذا الجيل الثورى فلنكن على قدر المسئولية حتى لا يلعننا أولادنا . صدقونى السر فى شئ من التخطيط والنظام والإمكانيات لا شئ أكثر من ذلك. هذا هو لغز استمرار أمريكا حتى الآن . ولا يخفى على أحد هنا أن أمريكا تتجه إلى الانحدار حاليا وأقول هذا من واقع ما أعيشه وأراه فى جوانب مختلفة .
.كل سنة وانتو طيبين .ربنا يعينكم على رمضان فى هذا الجو ... عندنا نفس الموجة الحارة وتخطينا درجات فوق الأربعين .. ... وسوف نصوم من الرابعة فجرا حتى التاسعة مساء . ...يلا كفاية أكل .
وأختم بقول الشاعر (وكل ضيقة بعدها وسعة ...ودى الحقيقة بس منسية ...وكلنا ولاد تسعة وبنسعى ...ودى مش وسية الناس سواسية)
دا انا قديم قوى ..
أتمنى أكون على اتصال دائم بكم قدر ما أستطيع.
أيمن - ميشيجان صيف 2012