إذا كنت من جيل الورقة والقلم فلك أن تفخر بذلك ...أنت حضرت المرحلة الانتقالية من القلم الفرنساوى والمسطرة الخشب إلى الكيبورد والشاشة ....من رزمة ورق فولسكاب إلى فلوبى ديسك ومنها إلى سى دى وفلاشة وأخيرا دروب بوكس..من الماوس أبو بكرة إلى التاتش.... إذا كنت من جيل الورقة والقلم فبالتاكيد حوالى عشرين قلم جاف طفحوا على جيب القميص وكام قلم خلصوا وانت فى وسط البحث نص الليل وقلبت البيت على واحد غيره ...ويا ترى كام مرة نفضت القلم فى الهوا عشان يرجع يكتب تانى ولا كام مرة جيت تكتب الصبح فى الامتحان لقيت ايدك متجمدة من البرد ومفيش وقت تدفيها؟ فاكر لما بدأت تحط أبحاثك فى دوسيه بلاستيك ؟ ولا خرامة الورق ؟ طب يا ترى كنت بتكتب بقلم فرنساوى ولا بيك ولا كنت بتحب الحبر زيى ؟ عمرك جربت الأستيكة اللى بتمسح الجاف وقطعت بيها الورقة كلها ؟ طب كام مرة بريت قلمك الرصاص من الطرفين ؟ كان خطك عامل ازاى؟ مش وحشتك الكتابة وحاسس إن عضلات ايدك مش متعودة خلاص ؟ والله خسارة . طب احنا ليه كنا بناخد أجندة معانا فى الجامعة ؟ ليه أجندة بالذات يعنى ؟ وساعات أصلا بتكون من كام سنة فاتوا؟ أنا فاكر أجندة محلول الجفاف وأظن لسة عندى . يمكن فى سنة رابعة كلية جبت كشكول لولبى . إذا كنت من جيل الورقة والقلم فأكيد كان عندك نوتة تليفونات أرضى بس مش شرط يكون عندك تليفون. ممكن صحابك يتصلوا بيك على رقم الجيران وابنهم الصغير يناديك من البلكونة وانت تعمل صايع بقى وتاخدها حجة تدخل البيت يمكن تلمح سعاد قاعدة تذاكر ولا حاجة . وأكيد شوفت التليفون القرص اللى كنت ممكن ترفع السماعة تسمع اتنين بيتكلموا .ولا المعاكسات وعيش يامعلم فى الوهم. لو كنت من جيل الورقة والقلم فأكيد سهرت طول الليل تعدل الإريال عشان تشوف أى قنوات أجنبية ... أو سهرت مع صحابك مع حد عنده فيديو تشوفوا فيلم أكشن عشان القناة التانية بتجيب افلام مكررة . فاكر التليفزيون البكرة ولا ان اى سى تليمصر ؟ والكاسيت كنت بتسمع عليه ايه ؟ فاكر التسجيل أبو بابين؟ وفاكر فرحتك وانت بتسجل من شريط لشريط ؟ مش هنتكلم عن الأغانى طبعا لأن دى قصة لوحدها . ليه كنت بتعلى صوت الكاسيت فى البلكونة ؟ طب لما الشريط يسف بتعمل ايه ؟ دى برضه حدوتة بلاش فضايح خلي الطابق مستور . طبعا جربت ماريو وشفت مازنجر واتفرجت على بقلظ وعروستى واليوم المفتوح يوم الخميس ونادى السينما يوم الجمعة واخترنا لك يوم الأربعاء والأهم بانوراما فرنسية عشان لا مؤاخذة ؟ طيب مسلسلات الساعة سبعة ونص اللى كنت بتقعد تشبع اعلانات ساعة عشان تشوف الحلقة ...ويا سلام لو جه جلسة مجلس شعب فتحى بيه سرور فى ميعاد المسلسل بتبقى الليلة باظت ..مسلسلات كتير شكلت وجدان وتفكير جيل كامل من أول رأفت الهجان وليالى الحلمية مرورا بالوسية والمال والبنون .. ...كانت الحياة فيها هادية وفيه شغل دراما عالى مش هجص اليومين دول ...تخيل لو أدخلت على أحداث المسلسل موبايل ولا آى فون كان هيبقى شكله ايه؟ ده مكانش فيه كمبيوتر أصلا...وبالمناسبة فاكر عشان تجيب كمبيوتر تعبت قد ايه؟ فاكر الويندوز والتسطيب ولو سمحت املالى الهارد ده ؟ فاكر أول ايميل كان عندك كام سنة ؟ وماكانش له لازمة عندك أصلا لأن صحابك معندهمش نت ... كلام كتير وياما هنفتكر ولكن السؤال هنا ليه الدوشة اللى عاملينها على الجيل ده بالتحديد ... ...احنا شفنا أول موبايل وأول قنوات فضائية عربية ....احنا شوفنا أول كابل نت . ...فكرتى هنا سياسية ....كنا فى الثمانينات والتسعينات بنشوف قناة واحدة ومسلسل واحد فى ساعة واحدة ....كان فى رئيس واحد ربانا على ايده مشفناش غير صورته ولا سمعنا غير رأيه ...نجح فى فترة إنو يقنع كتير من الناس تحبه مع أنه كان بليد ..لكن الغبى لما حب يطور البلد قال ندى الشباب نت عشان يقولوا ان انا بشجع التكنولوجيا ...واتاريه فتح مخنا وشوفنا وسمعنا غيره وبكده ادانا بايده السلاح اللى طيرناه بيه.... ....أيوه جيل غلبان مشافش طول حياته حدث تاريخى واحد ....الراجل ده كأنه كان عامل (هولد) للتاريخ ببلادة شديدة فعلا ....مفيش دراما إطلاقا تحت أى ظروف ....أيوه كنا بنتفرج على ليالى الحلمية وغيرها وغيرها ونشم أى حاجة فيها تاريخ ونحسد أهلنا إنهم شافوا النكسة وحرب أكتوبر والأكشن ده كله .....لكن ثلاتين سنة بلادة كانت زيادة قوى بصراحة بل كان المفروض الراجل ده ميوصلش أصلا لسنة 2000. المهم عملنا تاريخ وشفناه صوت وصورة لكن يبقى البليد بليدا . حتى فى التنحى يا راجل حرمنا من لحظة دراما واحدة ...لما دخل القفص منطقش ولا قام قال كلمة ندم للتاريخ يشفى الشعب بها غليله. لو درستوا دراما هتعرفوا ان فيها عنصر مهم جدا وهو التنفيس والتطهير الروحى وده اللى حرمنا منه حسنى حتى واحنا فى وسط التاريخ نفسه . وللأسف يبدو أن الحرمان الدرامى مستمر لهذا الجيل مع قيادة جديدة تسعى على مايبدو لإطفاء نار الحماس ....طب ليه ؟ طب ما تاخد من الحماس ده وتبنى عليه ..خد من الشباب ولا تطفئ شعلتهم باصطمبات قص ولصق لشكل القيادة ... عايزين ثورى بالفعل مش باللسان ...عايزين قائد من جيلنا عارف احنا بنفكر ازاى وبرضه يكون صايع عشان يعرف يشكمنا عند اللزوم...عايزين شاب مننا اشتغل فى جو الفساد وعارف الإحساس لما تكون فى شغلك وعايز تعمل الصح وتلاقى كل العوامل بتشجعك إنك متشتغلش أصلا أو تشتغل غلط ...عايزين نصلح البلد دى مع بعض من الجذور وليس .القشور والشكليات ...! المهم ....كان يا ماكان فى جيل الورقة القلم كان فى ناس برضه اسمهم إخوان ...وكان فى سلفيين .....عشنا جيل واحد وكلنا مر علينا أيام مشينا مع دول ومشينا مع دول ....سمعنا شرايط دينية فترة وأطلقنا اللحية فترة وتحمسنا للجهاد فترة ....أنكرنا أحيانا غموض الإخوان وأساليبهم فى اجتذاب الشباب ....وضحكنا أحيانا من صحابنا لما بدأوا يلبسوا جلابية قصيرة وطاقية ويبرزوا السواك من الجيب الأمامى ...أشفقنا على الإخوان من مضايقات الأمن....أخويا أو أخوك تأخر تعيينه فى الجامعة لأنه كان إخوان ..أبويا وابوك كانوا بيبهدلونا لما يشموا خبر ان احنا مشينا مع حد من هؤلاء ...يا ابنى ما كلنا بنصلى ونصوم .....ليه تضيع مستقبلك ؟ ...حكايات كتير ..... يا ترى كنا ازاى ودلوقتى بقينا ازاى ؟ .....كنا جيل واحد وكتلة واحدة والآن يمزق كل منا الأخر كأنه لم يكن يعرفه ... ...أصبحنا إخوان ومش إخوان ...وكلا الطرفان مسئول عن هذا بدرجة كبيرة ولا أحد برئ.....تشربنا جرعات إعلامية مكثفة من جبهتين ...جرعات مضللة متحيزة طائفية لأقصى درجة ...طرف يقول كله راح وطرف يقول اوعى الانجازات اللى بتمطر ...وهكذا تكونت الطوائف ...كل فئة مقتنعة تماما أنها على الحق المبين وأن الأخرين مضللين غير مدركين .....قبل الثورة لما كان العدو مشترك والكبت واقع على الكل كانت القلوب متفقة...أما الآن فحدث ولا حرج...لكن رأيى أن هذا طبيعى جدا بعد الحرية المفاجئة وربما يستمر طويلا ....ولكن أظن لما احنا اللى نحكم البلد كلنا مع بعض ...هنفتكر ساعتها إن احنا جيل واحد ...جيل الورقة والقلم .... ... زملائى الأعزاء ....كل عام وأنتم بخير
يمر على الآن رمضان للمرة الخامسة على التوالى وأنا محبوس عن أهلى ووطنى فى أقصى الأرض ولم أشهده فى مصر منذ الرحلة الأولى .... ... عندما يقبل رمضان أشعر برعشة داخلية ويزداد حنينى لكل ما هو ماضى وكل أيام الصحبة الجميلة والشباب . تذكرون كيف بدأنا معا فى المركز ونحن فى أوائل العشرينات من العمر .....كيف كنا وكيف أصبحنا ؟ لا أتصور أن تلك أيام لن تعود بكل مضحكاتها ومهازلها التى عشناها معا . قد يسخر منى أحدكم ويقول : انت غاوى فقر يا ابنى . يبدو ذلك . لم تكن غربتى هذه المرة عادية بل كانت أشد ألما لى ولكل المصريين هنا وهم يشاهدون حلما كبيرا يتحقق وتاريخا يكتب أمام أعينهم وهم غير قادرين على المشاركة فيه ولو بالوجود على أرض مصر . طبعا الصورة مختلفة عندكم ورؤيتنا نحن المغتربين أكثر حماسا ورومانسية من الواقع الصعب الذى شهدتموه أنتم . ولكن لا نستطيع أن ننكر حجم اللحظات الدرامية التى شهدناها كلنا فى أيام الشرارة الأولى . الصورة هنا مختلفة ...عشنا تفاصيل كثيرة وبكينا مع التونسيين والليبيين والسوريين ....ما يجمع العرب فى الواقع أكبر مما حاول الطغاة طمسه فينا. كم فرحوا معنا بل أكثر منا بل إنهم كانوا يناقشوننا فى أدق الأخبار عن مصر . ليست عبارة انشائية ولكنى رأيتها واقعا أن العرب متعلقين بمصيرنا ومتشوقين لنهضتنا. سبحان الله وتحققت المعجزة ...أتذكر كم تكلمنا وضحكنا من اليأس ونحن نجلس فى تكييف المكتبة نتكلم عن حسنى وبلاويه والبلد ومشاكلها . ويتحفنا بالأمل زميلنا المطحون محب بعبارته الشهيرة : مفيش فايدة يا ولاد . ويشاغبه أحمد عبد الله : مفيش فايدة بمعنى ؟ يا خيبتك ! يا خيبتك يعنى يا بختك . ويندفع الأستاذ تامر بسيجارته مسرعا يبحث عن شئ ثم يجده ويتجه إلينا بالحديث قبل أن يخرج : انتو بتتكلموا ف ايه بس ...انتو فاضيين ؟ أو يتدخل أيمن الشافعى بنظرته الواقعية المؤلمة : بص ...هى بلدك كده ومش هتتغير. أويأتى الأستاذ ثروت ليدلى برؤيته الإخوانجية ثم يأتى الأستاذ وائل ليغير الموضوع تماما فى اتجاه آخر أو يأتى الأستاذ ياسر ليمنع الكلام فى السياسة . وكانت أيام . مازال أمامى مشوار طويل هنا قد أكون قطعت نصفه أو أكثر قليلا . ومع أنى فاقد لكثير من الحماس والطاقة ولكن لا مجال للتراجع . أعانى كالعادة من مشاكل التوازن بين الدراسة والأسرة وهذا طبيعى . أصبحت متمرسا فى تدريس اللغة العربية وكم هو شئ ممتع . أما قدراتى على تدريس الانجليزية فوالله لا أدرى كيف هى الآن . أشعر أنى على مفترق تغيير مسار حياتى بالكامل والله أعلم . اندمجت أنا والأسرة فى المجتمع الجديد وكان من أهم فوائد هذا الاندماج هو اختفاء الهالة التى يتخيلها كل منا عند تعامله مع الأمريكيين . اختفت تماما الهالة وفى تعاملى مع معظم الخدمات والمصالح الحكومية والمستشفيات وخلافه أستطيع أن أقول لكم لا تعطوا هذا الشعب أكثر من قيمته ولا تعتبروا أننا أقل منهم فى شئ . بالعكس . لو أمن المواطن الأمريكى العقوبة يوما واحدا لتحولت البلد إلى غابة فى لحظات ...هذه حقيقة يعترف بها الكثيرون . أنا الآن عندى طلاب أمريكيين وأقول لكم اطمئنوا طلابنا بخير بس ناخد بالنا منهم . هذه الرسالة مجرد شئ من فضفضة للتعبير عن بعض الحنين والشوق للقائكم. ربما لا تعرفونى عندما أعود إذا كان فى العمر بقية ... فى عامين فقط من الدكتوراه تسربت بعض الشعيرات البيضاء إلى رأسى دون أن أشعر . فماذا سيحدث بعد نهاية المشوار؟ . المشكلة أنها يجب أن تكون البداية وليست النهاية . لا يحبسنى عن زيارتكم إلا نقص المال فليس عندى قيود تمنعنى من الإجازات ...ولكن ماباليد حيلة . وعلى رأى الشاعر (ليه يا زمان مسبتناش أبريا ...وواخدنا ليه لطريق ما منوش رجوع؟) أو على رأى نفس الشاعر (متسرسبيش يا سنيننا من بين ايدينا ...ولا تنتهيش داحنا يدوب ابتدينا ) . ايه علاقة ده بالموضوع أصلا ؟؟ ههههه . ما علينا . أشجعكم دائما على مواصلة التطوير وليس كلام انشاء كما كنا نقول قبل ذلك . المرة دى بجد . إذا كان الحال قد ساء كثيرا وازدادت الأوضاع فوضى فلا أظن إطلاقا أنه أسوأ مما كنا فيه وقد كان عندى -ومازال -أمل لن أفقده فى هذا البلد . لن نتغير فى أيام أو سنوات ولكن إذا كان الله أراد أن يجعلنا من هذا الجيل الثورى فلنكن على قدر المسئولية حتى لا يلعننا أولادنا . صدقونى السر فى شئ من التخطيط والنظام والإمكانيات لا شئ أكثر من ذلك. هذا هو لغز استمرار أمريكا حتى الآن . ولا يخفى على أحد هنا أن أمريكا تتجه إلى الانحدار حاليا وأقول هذا من واقع ما أعيشه وأراه فى جوانب مختلفة . .كل سنة وانتو طيبين .ربنا يعينكم على رمضان فى هذا الجو ... عندنا نفس الموجة الحارة وتخطينا درجات فوق الأربعين .. ... وسوف نصوم من الرابعة فجرا حتى التاسعة مساء . ...يلا كفاية أكل . وأختم بقول الشاعر (وكل ضيقة بعدها وسعة ...ودى الحقيقة بس منسية ...وكلنا ولاد تسعة وبنسعى ...ودى مش وسية الناس سواسية) دا انا قديم قوى .. أتمنى أكون على اتصال دائم بكم قدر ما أستطيع. أيمن - ميشيجان صيف 2012 كان حلما وخيالا ثم أضحى حقيقة ...وشهدنا تاريخا جديدا يكتب . مازلت أذكر جلساتنا فى مقر عملنا بجامعة الزقازيق ..كان لدينا حلم نتحدث فيه بشكل مباشر وغير مباشر بروح الشباب المتحمس الراغب فى التغيير...كنا فى العشرينات ونعمل مدرسين فى الجامعة فكانت الآمال عريضة أمام جيلنا ان نتسلم الدفة .... ولكن ...مفيش فايدة ...الجملة المصرية المشهورة ..وكيف يكون هناك فائدة وكنا نعمل فى نموذج مصغر للنظام الديكتاتورى ...مركز لغة انجليزية جامعى يحكمه جيل قديم والشباب لايص كالعادة ونظام مشى حالك مفيش فايدة انت متحمس قوى كده ليه. ولكنا كنا نعمل ونضحك ومن هذا الضحك تنطلق العبقرية المصرية . عانينا كثيرا من هذا البلد الطارد لأبناءه ولكن نعود ونمسح وجوهنا فى ترابه كأنها بلد لم يخلق الله مثله . ولأننا نحبها كنا نريد التغيير ...لا زلت أذكر مناقشة عابرة بين أحد الزملاء وأحد الجماهير حول امكانية تدخل الجيش وتطهير النظام ...وتوقع يا باشا سيل التعليقات واليأس المختلط بالضحك من شباب لم يبلغوا الثلاثين بعد ...ياللحسرة . ثم يتدخل عناصر الإخوان فى الحديث لنزداد ضحكا وسخرية .وكالعادة تغلق المناقشة وتتحول إما إلى أكل العيش وهنشترى ايه النهاردة أو يتدخل زميل مشهور ليطرى القعدة و يتحدث فيما يثير اهتمام الرجال ويا حبذا لو كان بين الجالسين زميل عازب أو مقدم على الزواج لنتسلى عليه . وبس يا سيدى ..كوباية الشاى وواحد نسكافيه للبيه وحسابك كام يا عم سعيد وفى (قبض ) النهاردة ولا إيه وامضيلى فى الدفتر يا أستاذ فيصل وتصبحو على خير . ثم تخرج من باب العمل لتصطدم باللافتات والصوراليومية : نعم للأب ..مصر مبارك ..لاستكمال مسيرة العطاء ...من أجلك أنت ..العبور للمستقبل . وتحت اللافتات الموقف ليس فيه سيارات للعودة. ولكن تعود للبيت بفضل الله بعد سلسلة مغامرات وشعبطة لترص لك زوجتك مشاكل وطلبات الأولاد وبعدين عشان تعرف تاكل لازم تغير الأنبوبة يا بطل وتلفعها على كتفك للدور الثالث هذا إذا وجدتها أصلا –طب مقولتيش من بدرى ليه ولا شفت حد يعملها؟- المهم هناكل ايه؟ . وأخيرا تحاول أن تفتح كتابا أو تكتب صفحة وطبعا يحاصرك الأولاد وتغلق الجهاز . وأخيرا يا عم الحاج : اتمسوا بالخير ...تصبحوا على خير ..انت نمت يا أبو محمد؟
وعلى الرغم من العناء المتكرر إلا أن كل هذه التفاصيل كانت لا تخلو من متعة وتفاؤل وضحك وقهقهات عالية ...كان الحلم قائما . وهاأنا اليوم عبر المحيطات فى عالم آخر بعيد عن كل شئ أشهد حلم الثورة يتحقق وكأنها مسلسل يعرض بصراعاته المتلاحقة . كانت لحظات فوق الخيال عندما قرر الكابوس الجاثم على صدورنا أن يغور ...فوق الخيال لأننا جيل تربينا فى وحله منذ الولاده حتى وصلنا ثلاثين عاما لنرى الصنم يسقط . كل ما أفعله الآن أن أشارك فى ثورة المغتربين حيث نشاهد ونتابع ثم نجتمع لنحلل ونحكى ونتأمل . وهذه ثورتنا هنا فى بلاد الأمريكان : ثورة يوتيوب وكومنتس . اجتمعنا قبل الغروب ذات يوم عند بحيرة شيكاغو التى تفصلنا عن ميشيجان مقر دراستنا. ووقفنا نتأمل ناطحات السحاب على الجانب الآخر وأشار أحدنا إلى أحدها قائلا : القنصلية المصرية فى هذا المبنى على فكرة . لم يعلق أحد ولكن كان الصمت يخفى وراءه تداعى الأفكار الذى مر بخاطر كل منا عندما ذكرت مصر وسط هذا الصخب من حولنا . ساعتها عاد كل منا فلاش باك لفترة الثورة واستدعى كيف عشناها معا : يوم حادثة الكنيسة : قلق على الفيسبوك ودوشة وغضب ...الإحساس العام مفيش فايدة ...رامى يصرخ فينا : مش راجع مصر تانى هأقعد هنا بأى طريقة. يوم سيد بلال : كفاية كدة بقى .....حرام ...أحمد يستمع لأغنية "يا مصرى ليه دنياك لخابيط" عدة مرات ...امتى ييجى اليوم ده؟ قبلها بيومين : خالد ورامى وأحمد وفريد بعد صلاة الظهر فى المركز الإسلامى يتناقشون فى جدية الدعوة للثورة بالمكان والزمان على الفيس بوك = يا ابنى انت مصدق نفسك ؟ هو فيه ثورة فى الدنيا بنحدد لها معاد = أيوه ممكن ....كمية الغضب خلاص محدش هيقدر يوقفه....انتو عارفين كام واحد مسجل حضوره على الصفحة ؟ داخلين على نص مليون ...تخيل لو دول ف الشارع هيعملوا ايه؟ =أنا بصراحة شايف إن ضررها هيبقى أكثر من نفعها ...البلد مش مستحملة ...وبعدين انت عارف لو الدنيا اتقلبت احنا أول ناس هنتاخد ف الرجلين ...خلاص بعثة بح ....روح على أمك انت وهو =انت بتقول فيها ....طب ايه رأيك ان لو ده حصل هكون مبسوط ...على الأقل هيبقى رايحين مستبيعين بقى ...دكتوراه وطارت ....يلا بقى نبنى من الأول على نظافة =انت بتحلم يا ابنى ....احنا شعب فاسد أساسا هتصلح ايه ولا ايه =انت بتقول كده عشان مش عايز ترجع أصلا = أيوه مش عايز أرجع وهما اللى خسرانين ....لو أغسل صحون هنا أحسن ماأرجع للأشكال اللى كنت شغال معاها ف الجامعة =أهو كلنا بنقول كده ..مصر روحى ودمى لكن أعيش فيها لأ ....لو مش احنا اللى هنصلح مين اللى هيشتغل ....عايز البلد تتصلح لوحدها ؟ امال احنا جايين هنا نتعلم ايه ....ومصر بتبعت بعثات والفلوس دى كلها على ايه ....وانت يا عم فريد ناوى تهرب انت كمان؟ =عيب يا ابنى الكلام اللى انت بتقوله ده ...انت ماسمعتش أغنية "أهاجر وأسيبك لمين؟" ولا ايه؟ = مين دى أهاجر دى ؟ = اسمعها بس هتعرف = المهم يا جماعة مش هنعمل وقفة كده ونجمع المصريين فى ديترويت ولا حاجة ؟ وينتهى الحوار على مافيش لأنهم طبعا مش مصدقين اللى ممكن يحصل بداية الشرارة أحمد يذهب بابنه إلى جاره فريد ليوصله إلى المدرسة مع أولاده فالطريق يعج بالثلوج البيضاء ولا يمكنه السير بسهوله = ايه الأخبار؟ = معرفش مفتحتش = دى البلد مقلوبة يا ابنى ...مظاهرات فى كل حتة = لما أروح أشوف ...شكلها مفيش مذاكرة الترم ده. وفعلا جلس أحمد فى محاضراته على اللاب توب يتابع ويعمل ريفرش للصفحة والأستاذ يحاور ويناقش فى الفصل .....وتمر الساعات على هذا . ليلة جمعة الغضب اتصل بنا فريد قرب الفجر منفعلا وجمعنا فى شقته ....وطبعا كان يوافق هذا صباحا فى مصر حيث ترقبنا ماذا سيحدث بعد صلاة الجمعة ...وبلغنا أنباء مرعبة عن توعد الشرطة ووعيدها ...كان فريد فى غاية الانفعال يريد أن يفعل شيئا لمصر ..كان يشعر أن مذبحة قادمة وعليه أن يشارك فيها بأى شكل ... = شوفوا بقى ...أنا كنت بلم حاجتى ورايح على مصر بعيالى لكن فى ورقة معرفتش أخلصها ... لازم نلحق نعمل حاجة .....مش هنقعد نتدفى فى بيوتنا وأهلنا بيدبحوا فى مصر =طب ايه اللى فى ايدينا يا فريد . ما احنا مرتبين وقفة بكرة بعد الجمعة فى ديترويت وده اللى نقدر عليه ...ده مش شوية على فكرة ...احنا بنبعت الصور لرصد وصوتنا بيوصل = مش كفاية ...ومتسألنيش عشان مش عارف هنعمل ايه ...نطلع ع البيت الأبيض ولا الكونجرس ...المهم يسمعوا صوتنا =تروح فين دلوقتى يا فريد ...ده احنا فى آخر الليل ...يعنى كلها ساعتين ويصلوا الجمعة فى مصر = وبعدين انت ازاى بتفكر أصلا تنزل مصر دلوقتى ؟ دانت اخوانجى صميم وأول واحد هتتشد من المطار ده إذا ماكانش من الطيارة. ويستمر النقاش والاقتراحات ونستدعى كبار الجالية المصرية ليشاركونا الحوار حتى الفجر ....بينما خالد يتابع الفيس ويوالينا بالتطورات ...وبعد عدة أيام ينفذ فريد ما صمم عليه ويطير مع أهله على مصر فى إجازة . بعد نزول الجيش تلاقينا بعد صلاة الجمعة كالعادة = شفت اللى حصل ...خلاص زمان حسنى كت على أمريكا ...على هنا يعنى = مش سهلة أوى ...مظنش انه يقع بسهولة كده ...ليه تلات أيام؟...مش معقول = أيا كان هما دلوقتى اتهزوا ونسمع لسة العجب وتمر أيام التوتر مع خطابات الرئيس المقيتة والقتل والإصابات والحرائق ويستمر القلق والشغف وكل منا يحاول أن نلتقى لنتكلم ونتشارك التوتر ..لا أحد يعمل ...لا أحد يدرس ...بل إن إدارة الجامعة أرسلت بريدا الكترونيا للطلاب المصريين على مستوى الجامعة تعلن وقوفها بجانبهم وانها مستعدة لتقديم الدعم والمساعدة فى أى ضائقة يواجهونها بسبب الأحداث . جمعة التنحى كعادتنا فى مواصلة الليل بالنهار واللاب توب فوق السرير ...نقوم من يوم الجمعة كأى يوم ...لم يكن عندى محاضرات فى ذلك اليوم ولكن طبعا كان علينا واجبات ...ولكن آخرها نفتح الفيس وريفرش ريفرش . وفجأة تزلزلت الصفحة ....المفاجأة كانت عظيمة ....كان لا بد أن أسمع صوت من مصر ...أى صوت ...اتصلت بزميل فى العمل ولم يكتمل الاتصال ولكنى شعرت بوقع الخبر وكادت تفيض عيناى عندما قال لى أنهم سجدوا شكرا لله فى تلك اللحظة ...واتصلت بصديق فى القرية وسمعت صوته وسط الهرج والمرج من حوله : حسنى كت وسابها تخرب يا عم . عاجبك كده ؟ وانقطع الخط . بعد صلاة الجمعة كانت الأحضان والدموع من العرب وغير العرب ...كان الكل مذهول ولسان حالهم يقول : يا ليتنى كنت معهم ! وظهرت الحلوى والأعلام المصرية فى المسجد وقضى المصريون معا ليلة لا تنسى ...هل تعرفون كيف احتفلوا ؟ كما كانت ثورة اليوتيوب كان الاحتفال أيضا مجموعة يوتيوب لأيام الثورة شاهدوها معا وأخذوا يعلقون على فيديو كوبرى قصر النيل أو الشاب الذى وقف أمام عربة الشرطة أو الشاب الذى تم قنصه مباشرة فى الاسكندرية . أما أنا فكنت أفكر فى الأشياء الصغيرة التى تصنع التاريخ : كنت أفكر فى بائع الخضار التونسى الذى لن ينساه التاريخ! وبعد السكرة تأتى الفكرة : فريد إخوانى مخلص ...خالد ثورى حتى النخاع ...رامى محافظ ومتشائم فى معظم الحالات ....أحمد حزب كنبة أيقظته الثورة ... حسن متدين له ميول سلفية ...كلهم يشتركون فى شئ واحد لا شك فيه : يعشقون مصر ويدركون عذابها ويريدونها أفضل . بالطبع كان هناك فلول ولكن لم نكن نعرفهم شخصيا . كل هذه الشخصيات تجمعت على الصراعات السياسية التى لم نسمع عنها من قبل . كل طرف يتبنى وجهة نظر ويعتنقها ويرى غيره مضلل وغير مدرك ...واستمر الانهيار الفكرى مع حوادث متتالية من يراها وهو فى الغربة يشعر دائما ان البلد ماتت اكلينكيا . كلنا نذكر كيف كان شعورنا عند الثورة حيث قرأت كثيرا فكرة تكررت أن قد آن الأوان للطير المهاجر ان يعود . ولا أنكر أن اللاشعور المصرى فى الغربة كان يراوده هذا الإحساس . كانت البلد دائما طاردة لأهلها حيث هدف الشاب المصرى فى الحياة هو "كيف تطفش من بلدك ؟" وكم كان يتمنى الكثير فى ظل الثورة أن تدعوهم بلدهم من جديد ! ويا ليته يحدث . وتكرر السؤال مرة أخرى بعد عامين من الثورة ونحن جلوس أمام البحيرة ومن حولنا ناطحات السحاب = ناوى ترجع قريب ولا هتعيش هنا ؟ = يعنى ايه أعيش هنا ؟ من غير حماس فى الرد متستعجلش بكرة تروح إجازة مصر وتحلف ماانت راجعها تانى =أنا بس بيصعب عليا حالنا : ازاى كنا عايشين فى مصر حوالى 30 سنة راضيين ومتأقلمين وبنحارب عشان نعيش ونحارب عشان نخليها أحسن وأول ما تيجى الفرصة نبيع 30 سنة ب3 سنوات وكأننا مولودين فى أمريكا . اللى بيحصل دلوقتى للأسف إننا بنتفنن إزاى نطول إقامتنا فى أمريكا ونتأخر على قد ما نقدر يمكن البلد تتصلح لوحدها يا ابنى انت هو مهما كان ده مصر هى اللى جايباكو هنا ...مفيش حتى رد الجميل؟ مفيش داعى لليأس يا جماعة ....احنا بنتكلم كأننا ضامنين ان احنا نلاقى فرصة هنا ...احنا عمرنا بيجرى هنا بالسنين واحنامش حاسين ...والأولاد ؟ انتوا نسيتوا إن عندنا عيال ؟ احنا مستغنيين عنهم عشان نرميهم هنا ؟ر اللى عايز أقوله ف الآخر إن صدمة الحرية كانت مفاجئة علينا ...مع أننا كنا نحلم يوميا بالخلاص من هذا الكابوس فلما حدث لم نصدق ففقد البعض صوابه ....ما حدث هو أن الثورة لم تفرز بعد قيادة ثورية ...مع الاحترام لشخص القيادة فإن عنصر الدراما الثورية لا يتوفر فيه ..كل ما حدث منذ بداية المشوار وحتى كرسى الرئاسة كانت اجراءات باردة ليس فيها أى سخونة ثورية.....محتاجين نتخلى عن اصطمبات قص ولصق وديكورات من شكل الرئاسة القديم ...الشباب محتاج دراما حقيقية من رئيس ثورى يحملوه على أكتافهم إلى الكرسى فيقول وينفذ ويحمل على الأعناق ويعتقل ويدبر والخ الخ م . ويبقى السؤال : هى فين الثورة ؟ أنا تركت مصر مع حسنى وحضرت الثورة أونلاين فقط والمفروض أرجع أشوفها بعد الثورة ... .................خايف أروح أسأل السؤال : هى الثورة فين .........هى فين الثورة؟ |
AuthorAll the world's a stage, Archives
November 2018
Categories |